إلى الرفاق: تقرير حول الأزمة السياسية

04-06-2025

ببالغ الاهتمام، نتابع تصاعد وتيرة الأزمة السياسية في واقعنا المصري، مدفوعة بعناد وتجبر سلطة عبد الفتاح السيسي. هذا العناد والتجبر الذي يعد سِمةٌ مرضية تصيب كل سلطة استبدادية تدخل مرحلة الشيخوخة، حين تشعر بأنها قد نجحت في إحكام قبضتها الأمنية على المجتمع، وبأن لا شاردة ولا واردة تفوتها. إنها تخمة سياسية وأمنية تجعل السلطة تظن أن الشبكة التي أقامتها من المصالح والتربيطات قد أصبحت متينة ومستقرة وقادرة على تأمينها وحمايتها من تقلبات الدهر.

فكل الشواهد تؤكد إصرار السلطة على تمرير ما تراه يحقق مصالحها، دون وضع أي اعتبارات أخرى في حسبانها. فهي لا ترى الشعب، وتعتمد على احتكارها للممارسة السياسية، ومصادرة حرية الرأي والتعبير، وحرية التنظيم، وإشاعة الخوف عبر توسيع حملات الاعتقال، والإفراط في ممارسة العنف والقتل خارج إطار القانون.

ولعل أبرز ما يؤشر على ذلك ما شهدناه في الأسابيع الأخيرة من تمرير قانون الإجراءات الجنائية، الذي تم إقراره رغم رفضه من المعارضة والمجتمع المدني والمحامين ونقابتهم، إلى جانب تمرير قانون الرسوم القضائية وتجاهل مطالبات النقابة ووقفات وإضرابات المحامين المتكررة احتجاجًا عليه. كما تم تمرير قانون الانتخابات البرلمانية القادمة دون إدخال تعديلات جوهرية على مضمونه، مع الإبقاء على نظام القوائم المطلقة وتقسيم الدوائر كما هو في القانون القديم، في تجاهل صريح لمطالب المعارضة. كذلك تم تمرير تعديلات قانون الإيجارات القديم، ما يهدد الحق في السكن لملايين المصريين. إلى جانب عشرات القوانين والقرارات التي تتسارع السلطة في إقرارها لإحكام سيطرتها على المجتمع.

كما تجاهلت السلطة الأصوات المنادية من الداخل والخارج بضرورة الإفراج عن المعتقلين ووقف الملاحقات الأمنية، وتجاهلت مخرجات الحوار الوطني. وتجلّى هذا التجاهل مؤخرًا في صمتها المخزي أمام نضال د. ليلى سويف، التي دخلت في إضراب عن الطعام أوصلها إلى حالة صحية خطرة، من أجل إطلاق سراح ابنها المعتقل علاء عبد الفتاح.

إن سلطة كهذه، قد ضربها الغرور والصلف حتى أصيبت بالعمى السياسي، لا تبقى وتستمر إلا بفضل قدرة أجهزتها الأمنية الفائقة على السيطرة من خلال القمع بأشكاله المختلفة، وليس وفق أي معادلة سياسية.

وضمن هذه الأشكال المختلفة من القمع، يُقيَّد العمل السياسي وتُرسم خطوط حمراء أمام الممارسة السياسية، ما يدفع أحزاب الحركة المدنية وكثيرًا من النشطاء والمشاركين في الحوار الوطني – بسبب إحساسهم بالمسؤولية تجاه حياة ليلى سويف – إلى حالة من التخبط والإفلاس. وقد تجلى هذا التخبط في مناشدات واستجداءات جماعية تضمنت ضمنًا تنازلات مجانية عن كثير من الحقوق السياسية، وشرعنة القمع ومصادرة الحياة السياسية. والأسوأ من ذلك هو تسويغ فكرة التنسيق السري مع دوائر السلطة والأجهزة الأمنية، ما قاد في نهاية المطاف إلى عشوائية العمل السياسي وانحطاطه.

ومع ذلك، فإن هذا لا يشكل عائقًا بحد ذاته أمام صعود وتطور النضال الاجتماعي، بقدر ما يمثل علامة على مستوى القمع والسيطرة الأمنية التي وصلنا إليها، والتي أدت إلى انحطاط الحياة السياسية والعامة بشكل عام.

إن كنا اليوم نبدو معزولين، فإن ذلك لا يدفعنا لتزيل هذا الانحطاط والتهافت وراء النداءات والاستجداءات. نحن نختار أن نقول الحقيقة، مهما كانت مُرّة، على أن نخدع أنفسنا وجمهورنا بنضالات زائفة. وربما يدفعنا هذا الموقف إلى عزلة سياسية أكبر، لكننا نُقدِّم الموقف الصحيح على الموقف الرث السائد. فقد تعلمنا من خضم المعارك السياسية للثورة المصرية – التي خضناها مرارًا وتكرارًا – أن العزلة المبدئية ليست بالضرورة هزيمة. لقد عانينا عزلة مماثلة في 3 يوليو 2013، وسرعان ما تكشّف صواب موقفنا. علينا أن نتعلم كيف نسبح عكس التيار عندما يتحتم علينا ذلك.

إن جزءًا من موقفنا – الذي قد يبدو للكثيرين متشددًا تجاه السلطة – نابع من شعورنا العميق بالخطر الذي يمثله استمرار هذه السلطة على الداخل المصري، من خلال دفع ملايين المواطنين إلى مستويات قياسية من الفقر والتجويع، وتصاعد مستويات العنف السلطوي، والتهجير القسري، وطرد المواطنين من مساكنهم، وحرمانهم من العلاج والتعليم. وهذا يمثل خطرًا لا يمكن قياس تبعاته على الحياة الاجتماعية في مصر، وهو ما لا ينفصل عن موقف السلطة الداعم للاحتلال الإسرائيلي، وتواطؤها معه في إبادة الفلسطينيين في قطاع غزة.

إننا ننظر إلى المستقبل بصبر ومثابرة، ومقتنعون بأن التاريخ لن يبقى راكدًا، وأن التيار لن يظل عكسنا إلى الأبد. لكن، إلى أن يتغير، علينا أن نستمر في السباحة عكسه، مُدركين أنه لا توجد حلول سهلة أو سريعة للخروج من الأزمة الراهنة. ومن ثم، فإننا نكثف عملنا التنظيمي، وندعو إلى بناء حزبنا، وضم أعضاء جدد لحركتنا، والعمل على ربط النضالات الفردية وتحويلها إلى نضال جماعي، وتشبيك النضالات الاجتماعية بعضها ببعض، وتعميق البعد السياسي والطبقي لهذه النضالات.

وفي طريقنا هذا، لا ننبذ الإصلاح، بل نحن أكثر حرصًا عليه من مدّعي الإصلاحية، شريطة أن يكون إصلاحًا حقيقيًا.

نحن مقتنعون بأن التغيير السياسي والاجتماعي الحقيقي يتطلب وجود حزب ثوري قادر على تجميع نضالات الطبقة العاملة والمضطهدين، والتأثير فيها، وقيادة النضال الاجتماعي عند تصاعده في مواجهة الطبقة السياسية للبرجوازية العسكرية وهزيمتها.

ولذلك، فإننا ندعو كل من يتفق معنا من الطلاب والعمال والمضطهدين من مختلف الفئات إلى الانضمام إلى تيارنا، والعمل معنا على بناء حزب قادر على تحقيق مجتمع حر وعادل.


الثورة الاشتراكية – نضال من اجل مجتمع حر وعادل


تواصلوا معنا عبر البريد الإلكتروني: Soc-Rev-Egy@protonmail.com