تحرير فلسطين بين المقاومة المسلحة المشروعة والإرهاب الرجعي

15-12-2025

تمثل القضية الفلسطينية اليوم واحدة من أكثر قضايا التحرر وضوحًا وعدالة في العالم المعاصر. فمنذ بدء الحرب الأخيرة على غزة، تكشّف أمام الرأي العام العالمي الطابع الإجرامي للدولة الصهيونية بوصفها مشروعًا استعماريًا استيطانيًا قائمًا على الإبادة الجماعية والتطهير العرقي. وقد أسفرت هذه الحرب عن مقتل وإصابة وفقدان ما يقارب مئة ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء والمسنين والمرضى المدنيين، في جريمة تاريخية موثّقة ارتُكبت على مرأى ومسمع من العالم وبدعم مباشر من القوى الإمبريالية الغربية.

الحرب لا تزال مستمرة، لكنها غيرت أدواتها وأشكالها. فالقتل لا يزال قائمًا، سواء عبر القصف المتقطع أو الاستهداف المباشر، كما أن سياسة التجويع الممنهج لا تزال تُمارس بحق سكان غزة من خلال الحصار وحرمانهم من الغذاء والدواء والمياه والوقود. آلاف الفلسطينيين اليوم يواجهون الموت البطيء نتيجة الجوع، ونقص الرعاية الطبية، وانهيار المنظومة الصحية بالكامل، في ظل ظروف إنسانية كارثية يُترك فيها المدنيون، ومعظمهم من النساء والأطفال، لمواجهة البرد القارس والأمطار في الخيام والعراء بعد تدمير منازلهم. إن الحديث عن “نهاية الحرب” في ظل هذه الوقائع ليس سوى غطاء سياسي لاستمرار الجريمة، ومحاولة لإسكات التضامن العالمي ومنع تصعيد الضغط على دولة الاحتلال وحلفائها.

في مواجهة هذه الجرائم، تشكلت موجة تضامن عالمي استثنائية، عبّرت عن نفسها في تظاهرات جماهيرية حاشدة، ونشاطات طلابية ونقابية، وحملات مقاطعة وضغط سياسي في مختلف القارات. هذه الحركة لم تكن عفوية أو هامشية، بل شكّلت اختراقًا حقيقيًا للرواية الصهيونية السائدة، وبدأت تهدد شرعية إسرائيل السياسية والأخلاقية على المستوى الدولي.

غير أن هذا المسار يواجه اليوم خطرًا حقيقيًا بسبب أعمال إرهابية تستهدف المدنيين اليهود على أساس الهوية الدينية، كما حدث في سيدني. إننا، من موقعنا كاشتراكيين ثوريين منحازين بالكامل لتحرير فلسطين، نُدين بشكل قاطع وواضح هذا العمل الإرهابي، إدانة مبدئية مطلقة، لأن استهداف أي إنسان على أساس دينه أو عرقه هو فعل عنصري يتناقض جوهريًا مع أي مشروع تحرري حقيقي.

إن قتل اليهود لأنهم يهود لا علاقة له بالقضية الفلسطينية، ولا يمكن اعتباره مقاومة، بل هو فعل رجعي يفرغ مفهوم المقاومة من مضمونه السياسي والأخلاقي. فالمقاومة، في معناها التحرري، هي فعل موجّه ضد بنية القمع والاستعمار، لا ضد مدنيين لا علاقة لهم بآلة القتل الصهيونية. إن الخلط بين الأمرين لا يسيء فقط لضحايا هذا الهجوم، بل يسيء قبل كل شيء لنضال الشعب الفلسطيني نفسه.

تكمن خطورة هذه العمليات في أنها تمنح اليمين الصهيوني المتطرف هدية سياسية ثمينة. فهي تتيح له إعادة إنتاج نفسه كضحية، وتساعده على طمس حقيقة كونه مسؤولًا مباشرًا عن واحدة من أبشع الجرائم الجماعية في القرن الحادي والعشرين. ويُجرى تحويل النقاش من مساءلة دولة استعمارية عن الإبادة، إلى نقاش زائف حول “أمن اليهود” و”معاداة السامية”.

نرى بوضوح كيف يتم توظيف هذه الأحداث لتشويه حركة التضامن العالمي مع فلسطين، ولتجريم التظاهرات التي خرج فيها عشرات الآلاف في سيدني وغيرها من المدن الأسترالية. إن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، بما فيها تهديدات الرئيس الإسرائيلي بشأن “السماح لمعاداة السامية بالنمو”، لا تهدف إلى حماية اليهود، بل تستهدف عمليًا خنق أي تعبير سياسي جماهيري مناهض لإسرائيل، وفرض معادلة زائفة تساوي بين التضامن مع فلسطين والعنصرية والإرهاب.

ومن هنا يصبح من الضروري التوضيح، بلا أي التباس، أن معاداة السامية هي شكل من أشكال العنصرية المدانة، وتتمثل في استهداف اليهود كيهود، سواء بالعنف أو بالتحريض أو بالإقصاء. هذا الموقف ليس تنازلًا سياسيًا، بل هو شرط أساسي لأي حركة تحرر إنسانية. وفي الوقت نفسه، فإن الصهيونية ليست ديانة ولا هوية دينية، بل أيديولوجيا استعمارية قامت على اقتلاع شعب آخر من أرضه، ومعارضتها لا تعني، ولن تعني، العداء لليهود.

إن الخلط المتعمّد بين اليهودية والصهيونية هو أحد أعمدة الدعاية الإسرائيلية، لأنه يسمح لها بالاحتماء خلف تاريخ اضطهاد اليهود لتبرير اضطهاد شعب آخر. إن تفكيك هذا الخلط هو مهمة سياسية مركزية لكل من ينحاز فعليًا للعدالة ولتحرير فلسطين.

من منظور اشتراكي ثوري، نؤكد أن الطريق إلى تحرير فلسطين لا يمر عبر الإرهاب الفردي ولا عبر استهداف المدنيين، بل عبر النضال الجماهيري المنظم، وبناء حركة أممية مناهضة للإمبريالية، وتوحيد نضال المضطهدين والطبقات العاملة ضد أنظمة الاستعمار والعنصرية والحرب. القوة التي أربكت إسرائيل وحلفاءها لم تكن العنف الأعمى، بل ملايين البشر الذين خرجوا إلى الشوارع مطالبين بوقف الإبادة ومحاسبة الجناة.

إن موقفنا واضح ولا يقبل التأويل: نحن ضد الإرهاب، وضد معاداة السامية، وضد الصهيونية، وضد كل أشكال العنصرية والاستعمار. ونحن في الوقت ذاته مع النضال العادل للشعب الفلسطيني من أجل الحرية والعودة وتقرير المصير. والتضامن الأممي ضرورة من أجل بناء دولة فلسطينية على كامل الأراضي المحتلة، ومع الحركة الجماهيرية العالمية التي أثبتت أن فلسطين ليست وحدها.

الحرية لفلسطين.
والمجد لنضال الشعوب ضد الاستعمار.
والنصر للحركات الثورية الأممية.

تيار الثورة الاشتراكية
15 ديسمبر 2025