انتخابات الشيوخ: الكوميديا الأمنية في موسم العبث الوطني

04-08-2025

محمد السايس 

في بلادنا العزيزة، التي تحولت فيها الديمقراطية إلى كائن منقرض يُعرض في متحف وزارة الداخلية في العاصمة الإدارية، تأتي انتخابات مجلس الشورى كأول عرض أمني في الموسم. لا نتحدث هنا عن انتخابات بالمعنى العلمي للكلمة، بل عن بروفة جنائزية لمسرحية عبثية، أبطالها ضباط مخابرات، وكومبارسها أحزاب ومرشحين، والمخرج قاعد في مكتب مظلم بيقلب في ملفات: “مين يدخل ومين يتركن”، وجمهورها الشعب المسكين اللي مش لاقي يأكل ولا مهتم يتفرج على المسرحية.

الدولة العظمى دي مش ناقصة وجع دماغ اسمه “حقوق” و”تنظيم” و”عمل عام”. المواطن بالنسبة لهم ملف، كارت مشتبه به، وكل من يحلم إنه يمارس سياسة يبقى إما “واهم” أو “متآمر على الأمن القومي”. لذلك، طبيعي جدًا إن الانتخابات دي تكون مخلوقة داخل معمل أمني مغلق، بتراخيص خاصة من الأجهزة السيادية، واللي مش عاجبه يبلط البحر.

ياريت حد يقدر يشرح لنا إيه الفرق بين انتخابات الشورى دي وبين توزيع كروت دعوة فرح أحمد ابن خالتك؟ VIP مية عضو يتم تعيينهم بفرمان جمهوري — عادي يعني، شوية أهل وأصحاب ومعارف — ومية درجة أولى مميز بيطلعوا في “القائمة الوطنية الموحدة”، اللي اتفصلت بالمسطرة في صالون أحد الأجهزة الأمنية، وتوزعت أنصبة الأحزاب فيها زي تقسيمة “الفتة” في عزومة رمضان: كل واحد على حجم كرشه، وكل حزب يبيع نصيبه بمعرفته، والهَبِيشة كتير، والطلبات بالزُّوف.

أما الانتخابات الفردية، فهنا العبقرية كلها. المواطن في القاهرة لازم يختار 11 مرشحًا، بالعدد، عشان صوته يبقى صحيح. لو اختار 10؟ يروح صوته في داهية. مش عارف إمتى وإزاي بقت الانتخابات الفردية تختارك كبشة مرشحين! في الجيزة لازم تختار 10، في إسكندرية 6 أو 7… مش مهم. مش عارف بالتحديد اسم الظابط العبقري اللي فصلها بالشكل العجيب ده كان بيفكر إزاي أو بيفكر في إيه، والأكاده إن محدش شَخَّر له وقاله: كفاية قلة قيمة وهزأه.

حد سأل نفسه ليه الدولة عاملة كل الجهد ده علشان تمنع الناس من إنها تختار؟ ببساطة، النظام ده مرعوب من فكرة الطوابير الطويلة قدام صناديق الانتخابات. مش خوفًا من الهزيمة (لأنهم مش بيسمحوا من الأساس بوجود منافسة)، لكن خوفًا من إن ملايين الناس لما تتجمع، حتى لو علشان ورقة تصويت، يبقى الموضوع خارج السيطرة. الجماهير عندهم قنبلة موقوتة… مش ناقصة غير شرارة.

اللي حاصل قدامنا مش انتخابات، ده تحالف الباشوات والجنرالات ورجال الأعمال النصابين، عايزين يخلصوا من موضوع الانتخابات ده بأسرع وأضمن طريقة. التمثيلية دي مش محتاجة جمهور، محتاجة كام قاضي مطيع، شوية إعلاميين مزيفين، ورجال أعمال يمولوا الحفلة ويشتروا التذاكر بأرقام فلكية.

أحب أقول له: يا عزيزي، الديكتاتور مش فارق معاه لا مجتمع دولي ولا حتى المجتمع الدولي فارق معاه الديكتاتور، طالما نتنياهو راضي. أما المجتمع المحلي، ولو الموضوع محتاج شوية قمع إضافي، مفيش مشكلة. إحنا داخلين على مرحلة “يا نحكمكم يا نقتلكم”، بس بأسلوب بروتوكولي مهذب: انتخابات بلا ناخبين.