من يحاصر شعبة لا يؤتمن على قضية

03-08-2025

مصطفي سامح

حين يصمت القاتل عن جريمته، يتكلم التاريخ، وحين تغيب العدالة، يتكفّل الوجدان الجمعي للأمة بمواجهة كل من خان، وباع، وتواطأ.

وإننا اليوم أمام واحدة من أبشع الجرائم التي تُرتكب بحق الإنسانية. لا يشارك فيها العدو الصهيوني وحده، بل يجد له من الأعوان والأنظمة من يتكفّلون بإتمام الحصار، وخنق من تبقّى من الأرواح.

إن ما يجري اليوم في قطاع غزة من مجازر جماعية وجرائم إبادة ضد المدنيين العزّل، لم يكن ليبلغ هذا الحدّ من الوحشية، لولا اشتراك أطراف إقليمية مع العدو الصهيوني في تنفيذ الحصار، وتجويع الناس، ومنع الدواء والإغاثة.
وعلى رأس هؤلاء يأتي النظام المصري، الذي لم يعد خافيًا على أحد أنه شريك مباشر في جريمة خنق غزة.

النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي لا يقدّم الدعم لفلسطين، ولا يحمي ظهرها كما يدّعي في بياناته المنحطة، بل شريكٌ علني في حراسة الحدود الإسرائيلية، وضامن لأمنها، وفاعل رئيسي في خنق الشعب الفلسطيني المحاصر منذ سنوات.

وقد تجلّى هذا الدور في أوضح صورة خلال حرب الإبادة الأخيرة، حين أُغلقت المعابر في وجه الجرحى والنازحين، ومُنعت القوافل الإغاثية من الدخول، وتُرك آلاف الأطفال والنساء للموت جوعاً أو تحت الأنقاض، دون أن يسمح لهم النظام المصري بالعبور أو الوصول إلى المستشفيات.

لم يكن هذا تقصيرًا، بل قرارًا سياسيًا واعيًا ومدروسًا. لقد قرّر النظام أن يقف ضد الشعب الفلسطيني، وأن يتاجر بمأساته، وأن يستغل الحرب لتكديس الأرباح عبر أدواته المحلية.

لقد ظهر إلى العلن ما كان يُدار سابقًا من خلف الستار: تسليم إدارة ملف دخول المصابين من غزة إلى شخصية مثل إبراهيم العرجاني، أحد رجال الأعمال المرتبطين بالأجهزة الأمنية، والذي فرض إتاوات تصل إلى آلاف الدولارات على كل جريح يُسمح له بالمرور.

هذا الاستغلال المهين والوضيع لمعاناة الناس لم يكن ليحدث لولا أن الدولة المصرية منحته الغطاء الكامل، وشاركت معه في تحويل المعبر إلى نقطة عبور مقابل المال، وسوق سوداء للموت تُدار بالأوامر الأمنية، وتُغلق وتُفتح بقرار سياسي خاضع لتفاهمات مع العدو.

لا يمكن الحديث عن هذه الخيانة دون التذكير بأن عبد الفتاح السيسي لم يأتِ إلى الحكم بإرادة وطنية، بل صعد عبر ثورة مضادة دموية، على أنقاض آلاف الشهداء والجرحى، ورأت فيه إسرائيل خادمًا طيّعًا، قادرًا على تلبية كل طموحاتها وأطماعها، وكبح أي نفس ثوري في مصر، ضمانًا لأمنها.

وقد عبّر السيسي عن هذه الوظيفة بوضوح، حين قال في أكثر من مناسبة:
أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي جنبا إلى جنب مع أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي
وهو قول خطير، لا يمكن اعتباره زلّة لسان، بل يعكس جوهر عقيدته السياسية، ويكشف انحيازه الكامل للاحتلال، حتى وإن كلّف ذلك سحق غزة وتصفية القضية من بوابة القاهرة.

ولمن يظن أن هذه الخيانة استثناء ناتج عن ظرف سياسي أو ضغوط خارجية، نذكّره بأن هذا هو السلوك الطبيعي لنظام يتعامل مع شعبه بالعقلية ذاتها.

فعبد الفتاح السيسي، منذ انقلابه في 2013، أقام سلطته على ثلاثة أعمدة:
التجويع، القمع، التفريط.

قتل واعتقل وشرّد مئات الآلاف من أبناء الشعب المصري، ودمّر الحياة السياسية، وصادر الحريات، بعد أن ملأ السجون بكل من طالب بالعدل، أو الكرامة، أو الديمقراطية، أو الحقوق السياسية.

ثم شرع في مشروع واسع لتصفية أصول الدولة، فباع الأراضي العامة، وهجّر الأهالي من سيناء، والوراق، والقرصاية، والدهب، ومنحها لمستثمرين من الإمارات – الشيطان الأكبر ومخلب إسرائيل في المنطقة – تحت غطاء “حق الانتفاع” لعشرات السنين، وهو غطاء قانوني لبيع الأرض دون إعلان البيع.

ولم يكتفِ بتهجير السكان، بل بدأ في بيع الموانئ والمطارات والمرافق الحيوية.
فتم بيع وتأجير:
– ميناء العين السخنة
– ميناء شرق بورسعيد
– ميناء سفاجا
– محطات السفن السياحية في شرم الشيخ والغردقة

كما جرى بيع مؤسسات مالية وصناعية وطنية، مثل:
– بنك القاهرة
– شركة فوري
– شركة أبو قير للأسمدة
– شركة ناصر لإنتاج الأسمدة
– شركة الإسكندرية لتداول الحاويات
– الشركة الشرقية للدخان
وغيرها من عشرات شركات الأدوية والزراعة والخدمات الأخرى التي لا تُعد ولا تُحصى.

هذا غير بيع الفنادق التاريخية، وتسليمها لمستثمرين من الخليج وأطراف أجنبية، في صفقات تُدار في الخفاء، بعيدًا عن أي شفافية أو محاسبة.

ما يفعله السيسي في مصر، هو ذاته ما يفعله مع فلسطين.
نظام لا يعرف الوطن، ولا يعترف بالكرامة، ويعامل الناس كما تُعامل الأشياء القابلة للبيع والتبادل.
ولذلك، فإن شراكته في حصار غزة ليست خروجًا عن مساره، بل امتدادٌ طبيعي لسياساته الداخلية، وللعقيدة الأمنية التي تدير بها الأجهزة العسكرية الدولة وتتعامل بها مع محيطها الإقليمي.

إن السكوت على هذا النظام بعد اليوم هو تواطؤ، وتبرير أفعاله أو التماس الأعذار له هو خيانة.
ومن يرفض الثورة عليه، فهو يوافق ضمنًا على بقاء نظام يقتل في الداخل، ويخنق الجيران، ويقدّم نفسه للعالم كخادم لإسرائيل مقابل البقاء في السلطة.

إلى كل من لم يرضَ بالظلم البادي حولنا، أو يختزل وجوده في دور المتفرّج:

لسنا أمام أزمة مؤقتة أو خلل عابر، بل أمام نظام يستمدّ قوته من إفقاركم وتجويعكم، ويستمرّ في وجوده من تشتّتنا وصمتنا.

لم يعد السؤال: هل يجب أن نسقط هذا النظام؟
بل أصبح: ما الذي يؤخّرنا عن ذلك؟
هذا النظام يجب إسقاطه فورًا، وبلا تردّد.
عبد الفتاح السيسي، رأس ذلك النظام، لم يعد مجرّد حاكم مستبد، بل صار خائنًا صريحًا، عميلًا علنيًا، يدير البلد كضيعة خاصة، ويبيعها قطعة قطعة في مزاد الخنوع، وبدّد ثروات الأجيال، وسفك الدماء، وأذلّ الكرام.
وها هو اليوم يرتكب أبشع الجرائم في حق جيراننا في غزة بدم بارد، مستغلًا حرب الإبادة لتحقيق أرباح ملوّثة بدماء الشهداء.
لا إصلاح ممكن، ولا مصالحة تُرجى.

ولهذا فإننا لا نخاطب مشاعرك، بل نناشد وعيك.

ندعوك للانضمام إلينا في مسار سياسي بديل مشترك، لا يكتفي برفض الواقع، بل يعمل على تغييره؛
مسار يجمعنا على خطة واضحة، وتنظيم فعّال، ورؤية تقطع مع العشوائية وردود الفعل، وتؤسّس لبناء جديد لا يعيد إنتاج القديم بثوب مختلف.

نحن لا نقدّم وعودًا جاهزة، بل نفتح بابًا للشراكة في العمل والمواجهة والتخطيط.
نبحث عن كل من يرى أن الصمت خيانة، وأن الانتظار تواطؤ.
إن كنت من هؤلاء، فإن مكانك بيننا، والوقت الآن، لا غدًا.

يسقط حكم الخونة
يسقط حكم السيسي
المجد للشعوب
والعار لكل من باعها