انتخابات الشيوخ: نظام يعزف منفردًا ومعارضة أتلفها القمع

14-07-2025

حسن مصطفي

يجري النظام في هذه الفترة انتخابات مجلس الشيوخ، وهي فعليًا لا علاقة لها من قريب أو بعيد بما يمكن وصفه بالانتخابات، ولا تربطها بها صلة، لا شكليًا ولا موضوعيًا، سوى بالاسم فقط. فالوضع السياسي الراهن، والأزمة السياسية والاقتصادية التي تضرب البلاد، لا يمكن إنكارها أو تجاهل وجودها. ومع ذلك، يستمر النهج القمعي للنظام، وحالة الصلف والغرور التي تسيطر عليه، والتي جعلته لا يُلقي بالًا لأي شيء في البلد، اعتمادًا على قدرة لا نهائية على القمع، وعلى تمرير ما يشاء من قوانين وتشريعات.

فعلى الرغم من توصيات ومطالبات كل من الحوار الوطني – الذي دعا له النظام – وأحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، بتعديل قانون الانتخابات بنظام القوائم المغلقة وتحويله إلى نظام القوائم النسبية، وإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية بالشكل الذي يسمح بالحد الأدنى من التنافسية، إلا أن النظام ضرب بتلك التوصيات عرض الحائط، وأقرّ، عبر الأغلبية التي يسيطر عليها في مجلس النواب، في مايو الماضي، تعديلات شكلية على القانون، لم تشمل تعديل نظام القوائم المغلقة أو إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية.

في النظام الانتخابي الحالي عبد الفتاح السيسي له حق تعيين ثلث أعضاء المجلس، بينما يُنتخب الثلث الثاني بنظام القوائم المغلقة، والثلث الثالث بنظام الفردي. لنجد أنفسنا أمام مشهد عبثي بعد أن أُغلق باب الترشح منذ أيام لانتخابات مجلس الشيوخ دون ترشّح  المعارضة ممثلة في أحزاب الحركة المدنية، لا على نظام القوائم ولا على المقاعد الفردية. فنحن أمام انتخابات بقائمة واحدة، هي “القائمة الوطنية” لأحزاب النظام، وتشاركهم فيها أحزاب المعارضة الرسمية (الوفد، والتجمع، والمصري، والعدل والإصلاح)، بينما لم تترشح المعارضة على أي من مقاعد الفردي.

من الطبيعي أن تمتنع المعارضة عن المشاركة في الانتخابات أو في العملية السياسية بشكل عام حين تشعر بعدم جدوى المشاركة، في ظل مناخ يسوده الاستبداد والقمع. إذ إن مشاركتها تُحتسب عليها سلبًا أمام قواعدها، لأن السلطة القمعية توظف تلك المشاركة لتزعم أن الانتخابات تنافسية وحرة، في حين أنها صورية في حقيقتها. لذا، تلجأ المعارضة أحيانًا إلى تكتيك المقاطعة، وتدفع باتجاه تصعيد المواجهة مع السلطة القمعية، بوسائل وأدوات مختلفة، مثل الدعوة إلى التظاهر أو الإضراب العام أو العصيان المدني.

لكن المعارضة المصرية اليوم، وبشأن انتخابات مجلس الشيوخ، تتخذ موقفًا في منتهى الغرابة: إنها تتبنى “اللاموقف”. فهي، على أرض الواقع، غير مشاركة في الانتخابات، إذ رفضت الدخول في “القائمة الوطنية” لأحزاب النظام، والتي تشارك فيها أحزاب المعارضة الرسمية، ولم تطرح في الوقت نفسه قائمة بديلة منافسة، أو تدفع بمرشحين لها على المقاعد الفردية. ومع ذلك، لا تُعلن مقاطعتها الانتخابات بدعوى “عدم الجدوى من المشاركة”!

من المستغرب، حقًا، أن تصل مستويات القمع والسيطرة الأمنية إلى الدرجة التي تُفقد فيها أحزاب المعارضة قدرتها تمامًا على الفعل السياسي، كما لو أنها أُصيبت بسكتة دماغية. وهو ما يطرح سؤالًا على قدر كبير من الأهمية:
هل “اللاموقف” الذي تتبناه المعارضة، بامتناعها عن إعلان مقاطعة صريحة للانتخابات، رغم عدم مشاركتها الفعلية، راجع إلى خشيتها من رد فعل انتقامي محتمل من النظام حال اتخاذها خطوة تصعيدية كهذه؟

إذا كانت الإجابة “نعم”، فهذه كارثة وفضيحة يجب الإعلان عنها فورًا، مهما كانت العواقب. أما إذا كانت الإجابة “لا”، فهذه كارثة أكبر، لأنها تطرح تساؤلًا حول جدوى المشاركة السياسية من الأساس. فإذا كانت المشاركة تقتصر على إصدار بيانات شجب وإدانة، على طريقة جامعة الدول العربية، وحضور الجلسات “الصوفية” للحوار الوطني، دون قدرة حقيقية على الفعل السياسي، تصبح هذه المشاركة الانتقائية الآمنة شكلًا من أشكال التوظيف السياسي الذي يخدم أهداف النظام، دون قدرة على المناورة خارجه. ولا شك أن القمع يلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل مشهد بهذه الرداءة، لكن لا يمكن أن يكون ذلك مبررًا للتماهي معه.

إن مشهدًا سياسيًا مترديًا إلى هذه الدرجة، تُديره أجهزة الأمن من أجل استدامة النظام العسكري، واستدامة ديكتاتورية السيسي، يؤكد ما دأبنا على إعلانه: أن النظام لا يرغب في الإصلاح. وهو ما يجعل كل التصورات عن التغيير في المستقبل رهينة للآليات والطرق الثورية، التي يجب أن نعمل على شق طريقنا نحوها بدأبٍ وإصرارٍ لا يفتر.

فعندما تنعدم وسائل التغيير عبر الآليات السياسية، يصبح التغيير عبر الثورة ضرورة، وهو ما تتأكد من صحته الجماهير يومًا بعد آخر.