29-06-2052
محمد السايس
لم يخجل أحمد الشرع، مُغتصِب الإدارة السورية بعد سقوط نظام الأسد، من أن يعلن على الملأ أنه مستعد للمضي قدمًا في تحقيق سلام مع إسرائيل، وأن سوريا وإسرائيل لديهما أعداء مشتركون، وبالتالي فإن لديهما مصالح مشتركة أيضًا.
لم يخجل الشرع وهو يخاطب ودّ إسرائيل التي تحتل أرضه وتقصف بلاده وتشعل حرب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية منذ 7 اكتوبر.
حتى أن وزير خارجيته لم يخجل هو الآخر من عدم نطق كلمة واحدة عن إسرائيل أو فلسطين خلال كلمته التي تجاوزت 20 دقيقة في قمة عربية خُصصت لدعم القضية الفلسطينية.
في الوقت نفسه، لا نحتاج أن نسأل أحمد الشرع عن موقفه المعادي لحقوق الأقليات الجنسية أو حقوق الأقليات الدينية.
في جانب آخر من العالم ،أعلن فيسبوك عام 2017 إضافة قوس قزح تضامنًا مع مجتمع الميم، ومع ذلك يحظر ويقيّد الدعاية والأخبار حول قطاع غزة.
ورغم كل ما تحمله هذه التناقضات، لا تخجل القوى الرجعية والرأسمالية باختلاف أشكلها من إعلان مواقفها وتشويه الحقيقة والتلاعب بها من أجل مصالحها،فلا ينبغي علينا أبدًا أن نتخوّف من إعلان موقفنا، وبشكل كامل، من كل القضايا السياسية والاجتماعية.
في زمن تُحاصَر فيه الأجساد، وتُراقَب فيه الرغبات، ويُحاكم فيه الحب، يجب على كل إنسان أن ينحاز لإنسانيّته، وأن يعلن بوضوح دعمه للأقليات التي تُضطهد وتُستباح حقوقها.
لا نطلب القبول فقط ، بل نسعى لثورة اجتماعية
إن نضال مجتمع الميم ليس نضالًا “هويّاتيًا” معزولًا عن قضايا المجتمع، بل هو جزء حيّ من معركة كبرى ضد نظام رأسمالي – أبوي – قمعي، لا يستطيع أن يتنفس إلا من خلال تكميم الأفواه وتقييد الأجساد.
نظام لا ينجو إلا بالقمع.
منذ نشأته، اعتمد النظام الرأسمالي على فرض شكل معيّن من الأسرة، من الهوية، من الرغبة، يخدم إعادة إنتاج العمل والخضوع والسلطة.
ولهذا:
تُمنع العلاقات التي لا تُنتج “عائلة” تُستغل من الرأسمالية، يُقمع الخارجون عن معيار “الجنس الطبيعي”، تُجرّم الهويات غير النمطية، وتُحوَّل أجسادنا إلى مشروع “تقويم” دائم، تارة باسم الدين، وتارة باسم الطب، وأحيانًا باسم “الهوية الوطنية”.
هذا القمع ليس “سوء فهم” اجتماعي، بل هو وظيفة سياسية ضرورية لبقاء هذا النظام.
الرأسمالية لا تقبل مجتمع الميم… إلا كسلعة
عندما تسمح الرأسمالية في المجتمعات الأكثر تحررًا وديمقراطية لمجتمع الميم بالظهور في الإعلانات، أو الزواج، أو التمثيل المؤسسي، فإنها تفعل ذلك فقط بعد أن تُفرّغ النضال الجندري من أي مضمون حقيقي .
يريدون تحويل المثليين إلى “مواطنين صالحين” يستهلكون بهدوء، يلبسون الرينبو في يونيو شهر الفخر ، ثم يُطرَدون من وظائفهم أو بيوتهم في يوليو.
وبهذا فقط نفسّر دعم بعض الرأسماليات العملاقة لقضية المثلية. وبهذه الصورة فقط، يُقبَل مجتمع الميم في نظام مبني على القمع، والربح، والعنصرية، والتمييز الطبقي.
معركتنا ضد الرأسمالية… ومن أجل التحرر الجذري
نضال مجتمع الميم لا ينفصل عن نضال العاملات المُستغَلات، ولا عن نضال المهمشين الذين يُطرَدون من مساكنهم، ولا عن نضال الشباب الذين يُسحقون بين الفقر والقمع والسجون.
إنه جزء من النضال نحو الحرية والديمقراطية.
من هذا المنطق استخلص أن النضال من أجل الحرية الجسدية بالنسبة لي هو نضال جذري لا يقبل من يمثّله “مكانًا على الطاولة” التي تحكمنا، بل يناضل من أجل قلبها.
من أجل مجتمع لا يخاف من الأجساد المختلفة، بل يحتفل بها.لا يحاصر الحب، بل يحرّره. مجتمع لا يفرض الهوية، بل يفتح المجال لكل أشكالها.
وهنا تكمن الحلقة المفقودة في مجتمعاتنا: اختفاء التنظيم السياسي القادر على دمج نضال مجتمع الميم في النضال الجماعي، ضمن حركات ثورية، لا إصلاحية ولا حقوقية فقط.
إن نبذ الرجعية الاجتماعية والاعتداء والتحريض على المثليين تحت غطاء الدين هي خطوة أولى في طريق نضال طويل يجب أن نخوضه بكل شجاعة وفخر، بجوار كل من يرفع راية النضال من أجل الحقوق الجندرية.
بل يجب علينا أيضًا أن نسعى لربط النضال الجندري بالنضال الطبقي من أجل بناء جبهة نضالية موحدة ضد الدولة البوليسية.
لا تحرر فردي في نظام يقمع الجماعية
نريد أكثر من “حقوق”.
نريد عالمًا لا نُضطهد فيه من البداية.
نريد ثورة، لا قبولًا.
نريد مجتمعًا تحرريًا، اشتراكيًا، لا يضعنا أمام خيار مستحيل بين الرغبة والبقاء.
نحن لسنا خطأ في النظام.
النظام هو الخطأ.

