النصر حليف ليلي والعار يحاصر الفرعون

01-06-2025

محمد السايس  

لم تنتصر ليلى سويف لأن مطلبها تحققت، بل لانها سحقتهم رغم أن لا شيء تحقّق.

انتصرت لأنها وقفت، ومضت، وصرخت، انتصرت علي كل من رأى أن استجابة النظام لمطالب شعبه معركة وهزيمة .

انتصرت لأنها واجهت منظومة قمع بيديها العاريتين وقلبها المكلوم، وعرّت دولةً لا تُحسن سوى التهديد، ولا تعرف من السلطة إلا جبروتها الأجوف .

هي لم تطالب إلا بما زعموا أنه متاح، وأن هذه الدولة تضمنه هو  القانون. لكنها عرت حقيقة  أن القانون هو آخر ما  يُحتكم إليه تحت سلطة السفاح وعصابته ، بل يُصاغ ويُعدَّل حسب الهوى والمصلحة. وعرت  كل أكاذيب احترام القانون، بينما القانون فيها أداة للبطش والانتقام.

 أثبتت بدمعها وصبرها وتكرار طرقها على الأبواب المغلقة، أن القانون في هذا البلد ممسوخ، متبدل، يُصاغ حسب الاسم، والنَسب، والموقف.

رغم أن والدها لا يزال في المعتقل، والفرعون يجلس على عرشه. 

فقد خسرت الدولة حين كشفت ليلى أن “دولة القانون” كذبة  وأن القانون هنا هنا مطية لا يحكم بل يُستخدم، لا يُنصف بل يُنتقم به من الخصوم

خسرت الدولة حين عرّت ادعاءاتهم بالكرامة والسيادة وأظهرت أن من يحكمنا  لا شريف فيهم، لا راشد بينهم ، وأنه  اراد ان يحكمنا  بالعصي لا بالعقل،وأن  كل متجبر على شعبه  هو في النهاية ذليل أمام إرادة الصهاينة. 

خسرت الدولة حين أسقطت ليلى وهم “الحوار الوطني” والديمقراطية الشكلية، وأظهرت كيف رفض النظام كل المناشدات الرسمية، والشعبية، والدولية، حتى تلك التي جاءت بالاستجداء والتعاطف فكيف تُقنعنا بعد ذلك الأجهزة الامنية  أنها تسمع أو تتحاور؟

خسرت الدولة حين أُسقطت كذبة “الإصلاح السياسي المزعوم  من الداخل”. لأن ليلى أثبتت بعد كل المحاولات ، أن الإصلاح مستحيل إذا قادته نفس العقلية الامنية  التي تؤمن أن الوطن عذبة ، وهم الملاك والشعب عبيد ، والمعارض خائن. 

خسرت الدولة حين انكشفت ماكينة إعلامها التي سعت  أن تشوّه أمًا محروقة القلب، وإبن دافع عن الحرية والعدالة  ولم تجرؤ أن تواجه صدقها. انهار خطابهم الزائف أمام صورة امرأة تفترش  سرير في المستشفى تنتظر أن يستمع احد إلى ندائها ، تنتظر خبراً عن ابنها بلا مجيب,

علاء مثل البقية يدفع ثمن ثورة مهزومة 

علاء عبد الفتاح لم يكن أكثر المعتقلين ظلماً، لكنه تعرّض لمزيج من العناد والانتقام، ليس لذاته فقط، بل لأنه ابن أسرة دائما ما وقفت مدافعة عن الحرية والعدالة  ،  أرادوا فقط الانتقام أرادوا  كسر إرادتهم  من خلاله، فصاروا أكثر تجبراً عليه، وأشد قسوة من أي عهد. أرادوا أن يكون تنكيل علاء عبرة لكل من يحاول ان يقاوم .

لكنهم لم يدركوا أن الألم الذي يسكن صدر أم، لا يُستخدم سلاحاً ضدها، بل يتحول إلى قوة وان قهرها سوف يظل درسا ، وموقف لا يُشترى. 

عنفهم أمام هشاشتها

ما الذي فعلته ليلى لتستحق كل هذا؟

جلست  على رصيف؟ طالبت  معرفة حال ابنها؟  رفضت التخلي عنه؟ قررت أن  تجوع ليحيا ؟الرد كان عنفًا، حواجز، صمتًا مطبقًا، ضغينة لا تليق إلا بالضعفاء المتجبرين، ويذكرنا التاريخ أنه فعل مثل كل ديكتاتور عنيد غبي. 

هذه دولة تخاف من نداء أم، وتُرسل الأجهزة الأمنية كي تصادر صوتها،هذه دولة ترتجف من قلب ينادي بالحب والعدالة فقط.

بل ما هو أقل من العدل وأوضح ما يكون حق لعلاء وليلي ولكن. 

قد أسمعت لو ناديت حيـًا.. ولكن لا حياة لمن تنادي

ولو نارٌ نفخت بها أضاءت.. ولكن أنت تنفخ في الرماد 

نتعلم من نضال ليلي 

 إن الحرية طريقها طويل ومُكلف، وأن الإصلاح الحقيقي لا يُستجدى من قلوب ميتة، ولا يُنتزع من أجهزة لم تتعلم إلا القمع  ولم تمارس إلا العنف بل, وان العمل من أجل تقريب النضالات بعضها ببعض هو السبيل الوحيد لنضالنا الذي يجب أن نسلكه إن أردنا الحرية والخلاص، وأن من يطعننا من الخلف كل مرة  هو من  ادعى مرارا وتكرارا  انه يوجد طريق اسهل لنيل الحرية

النضال المستمر لدكتورة ليلي يرشدنا وأن النضال الفردي، مهما بلغ، لا يكتمل إلا حين يصبح  جماعيًا، مُنظّمًا، عنيدًا،مستمرا.أن كل نفس حرّ في هذا البلد مستهدف، وأن من لم تُصبه النيران بعد، فهو في مرماها حتمًا إن لم يقف الآن .

في النهاية… انتصرت ليلى

نعم، انتصرت. ليس بمفهوم يحيا الوطن ويسقط المواطن ولكنها انتصرت بتجربة إنسانية  وتضحية راقية  لا يفهمها الا عاقل رقيق راقي ,رغم القسوة، رغم الألم، رغم التجاهل، رغم أن ولدها لا يزال في المعتقل.

إلا أنها انتصرت حتى  وان كان عكس إرادتها انتصرت لأنهم فشلوا في كسرها. لأنهم، بكل جبروتهم، لم يستطيعوا أن يُسكتوها أو يُشوهوا صورتها.انتصرت صفحة في ذكرى نضال شعبنا حتى ولو فرمها الجحود حتى لو نفذ جسدها المقاوم, انتصرت في معركة أرادت فيها فقط أن تجوع ليحيا, انتصرت لأنهم بدوا صغارًا أمامها، مهما صرخوا، وهددوا، وتجبّروا.انتصرت ليلى، وسُحق الفرعون، ولو بقي على عرشه. وقضي الأمر