26-05-2025
في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة البريطانية تعليق مباحثات اتفاقية التجارة الحرة مع الاحتلال الإسرائيلي، وسحب سفيرها من تل أبيب، ودرْس اتخاذ خطوات تصعيدية إضافية – كما صرّح وزير خارجيتها – احتجاجًا على الحصار المتواصل وتدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، صرّحت مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي بأن الاتحاد سيعيد النظر في اتفاق الشراكة مع الاحتلال للأسباب ذاتها.
هذا الموقف يُعد مؤشرًا صارخًا على حجم الكارثة الإنسانية التي وصلت إليها غزة، بعد تسعة عشر شهرًا من حرب الإبادة والتطهير العرقي، تلاها حصار شامل منذ أكثر من شهرين ونصف، يمنع الاحتلال بموجبه دخول الغذاء والدواء والوقود، إضافة إلى قطع المياه والكهرباء. وقد حذّرت الأمم المتحدة، في تقرير حديث، من تفاقم خطر المجاعة نتيجة هذا الحصار الكامل.
بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وهما من أبرز داعمي الاحتلال الإسرائيلي، بدآ بالتنصل من جرائم الاحتلال عبر اتخاذ مواقف إدانة ومراجعة شراكاتهما معه، أمام هول الكارثة التي تجاوزت كل الحدود. وفي المقابل، يواصل النظام المصري علاقاته الطبيعية مع الاحتلال، بل ويعمّق دعمه له، متكيفًا مع متطلباته، كأنما أصبحت مصر فناءً خلفيًا للكيان الصهيوني.
ففي ظل المقاطعة الدولية المتزايدة لإسرائيل، والحصار البحري الذي يفرضه الحوثيون على ملاحتها في مضيق باب المندب، سعي رجال أعمال مصريين للاستفادة من ذلك باعتبارها فرصة استثمارية بالتوسع في التجارة مع الاحتلال، كما تحولت الموانئ المصرية إلى محطات شحن وتفريغ وإعادة تصدير، ليس فقط للسلع المدنية بل أيضًا العسكرية، ما أدى إلى مضاعفة حجم التبادل التجاري بين مصر والاحتلال خلال فترة الحرب، وفق ما كشفته تقارير صحفية واستقصائية متعددة.
وبسبب اعتماد مصر على الغاز الإسرائيلي، أصبحت خاضعة لمعادلات إمداده التي يفرضها حسب حاجته، ففي بداية الحرب خفّض الاحتلال كميات الغاز الموردة، نظرًا لتشغيل الملاجئ والصناعات العسكرية في الأراضي المحتلة. وردًّا على ذلك، لجأت الحكومة المصرية لزيادة الاعتماد علي سياسة “تخفيف الأحمال” – أي قطع التيار الكهربائي لعدد من الساعات، بما يتناسب مع نقص الغاز -. وها هو الأمر يتكرر مرة أخرى، بعد أن أعلن الاحتلال مؤخرًا خفض إمدادات الغاز إلى مصر بنسبة 50% بحجة “أعمال الصيانة”.
لقد أشرنا أكثر من مرة في مواضيع وبيانات منشورة إلى تحليل طبيعة العلاقة بين النظام العسكري في مصر والاحتلال، وكيف تحولت تلك العلاقة منذ السبعينيات إلى علاقة تبعية وخضوع للنفوذ الإسرائيلي والهيمنة الأمريكية. والواقع اليوم يثبت صحّة هذا التحليل، من خلال الخدمات التي يقدمها النظام للاحتلال، وتضاعف التبادل التجاري، وتكيفه مع تقلبات إمدادات الغاز حسب حاجة الاحتلال.
نقول أنه أصبح يعيش في مصر اليوم شعبان، لا شعب واحد. الأول: الشعب المصري الحقيقي، بأغلبيته الساحقة، المسحوق والمقموع والمهمّش، الخاضع لآلة الدولة البوليسية وسياسات الإفقار. ورغم كل ذلك، لا يزال يتضامن مع الفلسطينيين، ويُعبّر عن دعمه، وإن بشكل فردي بسبب حظر التعبير الجماعي. الذي يشهد عليه عشرات، بل مئات المعتقلين في السجون المصرية، كل ما جنوه هو أنهم عبّروا عن تضامنهم العلني مع فلسطين.
وبجانبنا يعيش شعب آخر، مكون من الطبقة الحاكمة من ضباط ورجال أعمال وسماسرة منتفعين، لا تعنيهم سوى مصالحهم الضيقة، حتى لو اقتضى الأمر التعاون مع الاحتلال، والانخراط في جرائمه، وتحويل مصر إلى منصة خدمية وتجارية له أثناء شنّه حرب الإبادة، ويقمع في الوقت نفسه صوت الشعب المصري الرافض لهذه الجرائم.
لن يبقى هذا الوضع إلى الأبد. لكن التغيير لن يحدث ما لم ندرك أن نضالنا الجماعي ضد سلطة الضباط، والإطاحة بها، هو ضرورة قصوى من أجل نجاتنا الجماعية، والتحرر من النفوذ الإسرائيلي في بلادنا.
المهمة الأولى التي يتعيّن علينا البدء بها هي تنظيم أنفسنا وبناء حزبنا الثوري. فإذا أردنا أن نرى فلسطين حرّة، محرّرة من القتل والحرق والتجويع، فعلينا أولًا أن نحرّر أنفسنا من التجويع والقمع والخضوع، لنتمكّن من الوقوف إلى جانب الفلسطينيين ومساندتهم في نضالهم من أجل التحرر.
وبالإضافة إلى مهمة بناء حزبنا، تقع على عاتقنا مهمة فضح كل أشكال العمالة، وكل تجارة، وكل دعم سياسي تقدّمه الطبقة الحاكمة في مصر للاحتلال الإسرائيلي.
شارك معنا في العمل الجماعي المنظَّم، لدفع عجلة التاريخ إلى الأمام، من خلال الاستعداد وتنظيم الصفوف، لإنهاء حكم طغمة الضباط، واقتلاع جذوره، وبناء مجتمع حر وديمقراطي.
تواصلوا معنا عبر البريد الإلكتروني: Soc-Rev-Egy@protonmail.com
الثورة الاشتراكية – نضال من أجل مجتمع حر وعادل

