حزب الجبهة: أحدث إصدارات الأجهزة الأمنية

06-01-2025

نعرض لكم في هذه الورقة مفهوم النظام المصري عن الديمقراطية، والحياة السياسية، والحزبية، والانتخابات. كيف ومن يدير هذه العملية داخل أروقة النظام؟

إن السلطة القائمة اليوم على أنقاض ثورة الخامس والعشرين من يناير، بعد ثورة مضادة استغلت فشل مشروع جماعة الإخوان المسلمين السياسي وغضب الجماهير الناتج عن اصطدامها بوهم مشروع إصلاحي للجماعة، وعدم قدرتها حتى على تلبية المطالب الأساسية للجماهير، ورفضها الاعتراف بالفشل أو تقديم إجابات حقيقية أمام تسارع الأزمة، ونقص المواد الأساسية للحياة.

لقد حرص نظام الإخوان المسلمين على الحفاظ على تحالفه القائم وقتها مع أجهزة الدولة الأمنية وبالأخص مع قيادة الجيش، ورفض تعكير صفو هذا التحالف على أمل أن تحميه المجنزرات وتثبت أقدامه في السلطة في مواجهة تعالي الغضب الشعبي ومساحات الديمقراطية الشعبية، وحق التنظيم والتظاهر الذي انتزعته الجماهير بنضالات مستمرة عقب يناير 2011.

أما الطرف الآخر في هذا التحالف فقد رأى في استمرار الإخوان في السلطة خطرًا بات يهدد مصالحه، ويهدد معه استمرار هذا النظام بشكله القائم، ويهدد أجهزة القمع القديمة. كما أنه لا يوفر للبرجوازية المصرية القدر الكافي من الحسم لوقف الإضرابات العمالية وتضرر مصالحها الاقتصادية بسبب الإغلاقات المتكررة وتوقف الإنتاج، واضطرارها لتحسين ظروف العمل وهياكل المرتبات، ولو بشكل جزئي.

لقد كانت نقطة 30 يونيو 2013 وما سبقها من إعداد وما تلاها من مجازر دامية نقطة فارقة في سيرورة ثورة النظام المضادة. فمن هنا تحديدًا وحتى اليوم، تسلمت الأجهزة المخابراتية – المخابرات العسكرية والمخابرات العامة – إدارة الملف السياسي المصري ووضع بأكمله تحت تصرفها، وذلك بعد نجاحها في تقليص مكاسب ثورة يناير 2011 والإطاحة بالتنظيم السياسي الأوسع تأثيرًا (الإخوان المسلمين)، واستخدام الديمقراطية الشعبية والغضب الجماهيري كحبل تشد به الديكتاتورية العسكرية نفسها مرة أخرى إلى سدة الحكم، وتقيد الجماهير نفسها وتخنق به كل مكتسبات يناير وما تلاها على المستوى الاقتصادي والسياسي لأبعد الحدود.

احتلت الأجهزة الأمنية وقوات الجيش والشرطة الميادين والشوارع، وحوصرت الجامعات، واستخدم العنف بشكل مفرط. وتعرض الإخوان المسلمون وكل من ساندهم إلى مذابح بشعة وتنكيل وتضييق واسع، وبدرجة أقل باقي التيارات السياسية في البداية بسبب تحالف قيادات بعض الأحزاب السياسية مع الانقلاب، وخضوعهم إلى توصيات الأجهزة الأمنية. وتم حظر التظاهر وخنق أي صوت إعلامي لا يبرر العنف ضد المواطنين.

إننا نستطيع أن نفصل منذ هذا التاريخ، 30 يونيو، بين فهم نظام مبارك وقادته السياسيين، وبين فهم السيسي والمخابرات بفرعيها المدني والعسكري، والأجهزة المعلوماتية المعاونة لفكرة الحكم، والديمقراطية، ومساحات التعبير، والانتخابات النيابية والرئاسية.

من يخطط للانتخابات ويدير سياسة النظام؟

نحن لا نتكهن ولا نستسهل ولا تسيطر علينا نظرية المؤامرة حين نرجع إلى الأجهزة الأمنية المعلوماتية دون غيرها من السياسيين والكتاب والصحفيين وقيادات الأحزاب المؤيدة لنظام السيسي، انفرادها بتخطيط وإدارة الملفات السياسية. بل نعتمد على شهادات موثقة تعرض أن تدخل المخابرات لم يقتصر على التنظيم وحسب، بل شمل كل أشكال التخطيط والترتيب والإدارة والإشراف على التنفيذ والمحاسبة لكل من يخرج عن النسق، واستخدامها لكل مؤيدي تحالف الطبقة الحاكمة كأدوات لتنفيذ خططها في كل أزماتها.

إن الأجهزة الأمنية المعلوماتية دون غيرها هي التي تمتلك كل السلطات القانونية وغير القانونية وغير الدستورية في أغلب الوقت، بوصفها قوة سيادية تعبر عن مصالح وسيادة الطبقة الحاكمة. وتمتلك أدوات الردع السريع من عزل واعتقال ومصادرة أموال وإدراج على قوائم الإرهاب، والمنع من السفر، وحتى القتل المباشر، وغيرها من أدوات القمع والترهيب لكل من يقف أمام رغبتها ويتحدى تطلعاتها وخطتها، بغض النظر عن موقعه وموقفه من النظام والسلطة. فالجميع معرض للقمع بدرجات متفاوتة إذا تطلب الأمر، بدون رقابة أو محاسبة، وهي أيضًا من تملك القدرة على العفو وتقديم المكافآت والرشاوي والتسهيلات لكل من يقف بجانبها ويستجيب لرغبتها، متجاوزة كل السلطات والأطر القانونية.

بهذه السلطات الواسعة استطاعت تلك الأجهزة امتطاء وسائل الإعلام الرئيسية الحكومية والخاصة في البداية، ثم امتد الأمر لاحقًا إلى كل الصحف الإلكترونية والصفحات الإخبارية في المحافظات، وإدارة الخطاب الإعلامي من خلال خطابات معدة سلفًا يتم إرسالها لكل القائمين على الإعلام. ومن يرفض التعاون ينال عقوبته بالاعتقال أو المنع أو الحجب.

إن توحيد الخطاب الإعلامي ليس في الجوهر فقط، بل في النص أيضًا، يعكس عدم ثقة القادة العسكريين في قدرة حلفائهم من الإعلاميين على التعبير عن مصالحهم الطبقية والسياسية المشتركة. وأيضًا خوفهم من أن يدفع الإسراف في القمع والنهب والفساد من جهة الدولة، أي كاتب أو إعلامي لقول جزء ولو بسيط عن الحقيقة.

فتلك الأجهزة تتحكم دون غيرها في صوت الإعلام شكلاً وموضوعًا، وتسيطر على الصحف والإنتاج الأدبي والفني لخدمة خطابها الإعلامي وتسييد رؤيتها. وتقوم بهذا الدور سواء بشكل مباشر أو عن طريق شركتها الاحتكارية (المتحدة للخدمات الإعلامية)، وحتى التحكم في إطلاق الشائعات والأخبار غير الصحيحة في وسائل الإعلام أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي أحيانًا لأغراض مدروسة ومعدة سلفًا، مثل قياس القدرة على تمرير قرارات تقشفية جديدة، أو تشتيت الجماهير عن أهدافهم، وتعميق نظرية المؤامرة لديها، وغيرها من الأهداف.

إن ما نال الصحف والإعلام من قمع وتضييق ومنع للنشر والكتابة، وحجب ومصادرة على حرية الصحافة وتداول المعلومات وإتاحتها، نال أيضًا كل القطاعات الأخرى التي تعمل في المجال العام، خارج الصوت الوحيد الذي تقبله الدولة وترضى عنه الأجهزة الأمنية. فتم اقتحام وإغلاق مقرات منظمات المجتمع المدني، وتعرض العاملين بها إلى التضييق والاعتقال، ولم تسلم مواقعها الرسمية من الحجب. لم يسلم أي قطاع أو تنظيم سياسي وحزبي من القمع والتضييق طالما اتخذ سياسة تعارض السياسة والمواقف الرسمية لهذه السلطة. فتم التضييق على إنشاء أحزاب، وتم تجريم كل مجموعات الضغط، اعتبار بعضها منظمات إرهابية بحكم قضائي، وإخضاع أعضائها ومقراتها وأنشطتها لقانون الإرهاب.

ومن أجل “تنظيم” حق المواطنين في التعبير والاعتراض، أصدرت حزمة من القوانين الرادعة، مثل قانون التظاهر لسنة 2013، وقانون الإرهاب لسنة 2015، واليوم قانون الإجراءات الجنائية وغيرها من القوانين التي منعت وصادرت كل حق في التعبير والتظاهر والإضراب. بل امتد إلى معاقبة الأفراد بالاعتقال لمجرد النشر والتعليق بشكل مباشر أو غير مباشر على وسائل التواصل الاجتماعي. وأعطيت الأجهزة الأمنية والقضاء والنيابة صلاحيات أوسع في القمع والتضييق على حقوق الدفاع. ناهيك عن إعلان وزارة الداخلية وقطاع الأمن الوطني أكثر من مرة اعتمادها لبرامج متطورة للرقابة على الصفحات الشخصية للمواطنين.

احتواء متعدد الجوانب

لا يتوقف دور الأجهزة المعلوماتية المصرية أبدًا كما أشرنا على حد القمع والمحاسبة، بل إنها تبني اتصالات مع عدد من السياسيين والمعارضين، بل ومعتقلين سابقين أيضًا، بغض النظر عن مواقفهم من قضايا السياسة والثورة. وتقدم لهم امتيازات وأشكالًا مختلفة من الدعم المادي والمعنوي والحماية طبقًا للموقع ومدى استعدادهم للتعاون معها، والدور المحدد لنشاطهم، بهدف إحكام السيطرة على المشهد السياسي وابتلاعه بشكل كامل.

إن مفهوم القمع والصوت الواحد لدى السلطة الحاكمة تخطى كل حدود العقل، وانتج سلطة مجنونة تعجز عن تقديم أي حلول إلا الحلول الأمنية لكل أزماتها، سواء الاقتصادية أو السياسية. وتغوص في بحر من احتقار المواطنين وعدم الاكتراث بمشاكلهم أو طموحاتهم، وتسوس البلاد وفقًا إلى نظرية الحكم القديمة: النبلاء والإقطاعيين في مقابل الأقنان والعبيد.

الأجهزة الأمنية التي تقوم اليوم بإنشاء حزب الجبهة الوطنية، التي تضم هيئته التأسيسية نسيجًا متباينًا من مجرمين ومخالفين للقانون، وكتاب ووزراء ورجال أعمال ونواب، وفنانين ورياضيين وصحافيين مدافعين اسمًا عن الحرية، وميليشيات عسكرية، هو تنظيم أقرب لعصابات المافيا على الطريقة الكلاسيكية أكثر من كونه تيارًا سياسيًا.

الأجهزة الأمنية هي العقل الذي أدار هزيمة الثورة المصرية وتمكين المجرمين من الحكم. وتستخدم كل أدوات الدولة من أجل إحكام القمع والسيطرة، وتنسج شبكات واسعة من الحلفاء والمستفيدين والمعارضين أيضًا. تسمح بالحوار الوطني وتطلق حزب الجبهة، تفرج عن العشرات وتعتقل الألف، وغيرها من التناقضات التي تبنيها بهدف تشتيت الوعي وإعطاء آمال كاذبة عن الرغبة في الإصلاح.

كل ما قمنا بسرده في السطور السابقة ليست شروح معارضين حاقدين على النظام، إنما هي عرض سريع ومقتضب للغاية لوقع جرائم السلطة المصرية، وجزء من طريقة قمع وتخويف ونهب وتضييق على حرية التعبير والنشر، ومحاربة أي دور جاد لجماعات الضغط والأحزاب والنقابات.

بهذا المنهج الحقير من العنف والعفن، القمع وانتهازية القادة السياسيين وجبنهم، استطاعت تلك الأجهزة تمرير الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والاستفتاءات الدستورية، مرة تلو الأخرى، والتي لم تخلو من انتهاكات ومصادرة على كل أشكال الحقوق والحريات. وتعكس احتقار السلطة للجماهير، وشكلية الانتخابات التعددية والديمقراطية.

إن الخلاص من تلك السلطة العميقة لن يأتي إلا بالعمل الجاد والسعي الحقيقي لبناء حزب الثورة، وتنظيم المواطنين بشكل ديمقراطي ثوري في طريق الإطاحة بتحالف أعداء الشعب. إن كل الحلول السهلة والدعوات السحرية للتظاهر والخلاص من تلك العصابة بشكل غير منظم ومخطط أثبتت فشلها. فلا إصلاح من حوار وطني، ولا انتخابات رئاسية أو برلمانية قد تطيح بتلك السلطة قبل بناء جيش الثورة.

إننا مدركون مدى الأزمة وما تعكسه من صعوبات تحول دون التحرر، لكننا لا نملك ما نخسره في تلك الحرب إلا الفقر والظلم والجوع. إننا ندعوكم للتخلص من تلك القيود والانضمام إلى جيش الثورة الاشتراكية. ندعوكم للتخلص من الحلول الفردية والدعوات السحرية التي يطلقها الانتهازيون، ببناء حزب الثورة الأمل الحقيقي للخلاص من الفقر والجوع والقمع. حزب العبيد هو أداتنا الوحيدة للتخلص من العبودية.

تواصلوا معنا وانضموا إلينا على طريق بناء حزب الثورة. الطريق الوحيد للتخلص من العبودية وبناء مجتمع حر وعادل.

بريد إلكتروني: Soc-Rev-Egy@protonmail.com